فازت استطلاعات الرأي بعدم التنبؤ بالفائز في الانتخابات الأمريكية!

د. سامر أبو رمان

لا شك أن لاستطلاعات الرأي العام الأمريكية تاريخاً طويلاً، يرجع الى ثلاثينيات القرن الماضي، في دقة التنبؤ بنتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية ومعرفة الفائز بالسباق الى البيت الأبيض، من خلال المئات من استطلاعات الرأي التي نفذتها جهات عديدة.

وخلال هذه العقود من النجاحات، كانت هناك بعض الإخفاقات المحدودة، كما حدث عام 1948، حين توقعت جميع الاستطلاعات تقريباً فوز المرشح الجمهوري توماس ديوي على المرشح الديمقراطي هاري ترومان، واعتمدت استطلاعات تلك الفترة على طرق تقليدية وعينات غير ممثلة تماماً للناخبين، ثم جاءت النتيجة مفاجئة بفوز ترومان، أو كما حدث عام 2016، حين توقعت معظم استطلاعات الرأي فوز هيلاري كلينتون على دونالد ترامب، ثم كانت النتيجة فوز الأخير.

وعلى الرغم من ذلك، بقي دور استطلاعات الرأي أساسياً في فهم توجهات الرأي العام وتوقع نتائج الانتخابات، وشهدت تطورات كبيرة في الدقة وتمثيل العينة واعتماد أساليب التحليل المتقدمة!

وفي هذه الانتخابات الرئاسية بالتحديد، وصلت استطلاعات الرأي الى مرحلة التنبؤ، وفي ضوء المعايير العلمية وحجم الاستطلاعات وقيمتها ودقتها وطبيعتها، بأنه لا يمكننا ان نعرف الفائز! هذه الأرقام الموجودة في المقالات والكتابات التي تجمع مختلف النتائج التي خرجت بها مراكز استطلاعات الرأي، مثل مقالة “اعتقد أن مستطلعي الرأي سيفوزون في هذه الانتخابات    I think the pollsters will win this election” التي كتبتها الزميلة الدكتورة كلير ديوراند، أستاذة علم الاجتماع في جامعة مونتريال، والرئيسة السابقة للجمعية العالمية لبحوث الرأي العام WAPOR، والتي تناولت دقة استطلاعات الرأي في الانتخابات الرئاسية الأميركية 2024، وأشارت الكاتبة  إلى أن استطلاعات الرأي لا تُظهر فائزاً واضحاً بسبب تقارب النتائج، حيث تتراوح نسبة الدعم بين 48% و52% لكلا المرشحين، وترى أنه إذا كانت الاستطلاعات خاطئة، فقد يكون ذلك بسبب تغيرات في توجهات الناخبين في اللحظات الأخيرة، مع استبعادها لحدوث ذلك، بالإشارة الى أن التطورات في طرق جمع وتحليل البيانات قد حسّنت دقة النتائج!

وأمام هذا الواقع، ينبغي على مستطلعي الآراء أن يعترفوا بعدم إمكانية الوصول إلى نتيجة حاسمة في بعض الحالات. من الضروري أن نكتفي بذكر الفروقات التي لم تصل إلى درجة البت في الفجوة، مع الأخذ في الاعتبار نسبة الخطأ الإحصائية المعروفة، التي قد تكون لصالح أحد المرشحين.

لذا، تبدو توقعات الاستطلاعات حول نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024 اختبارًا مهمًا للغاية، يتطلب من الناس والباحثين ومحللي الآراء أن يتحلوا بالتواضع. يجب أن نعترف بأنه ليس بإمكاننا الإجابة عن السؤال الذي يشغل العالم اليوم: من سيفوز في هذه المعركة الانتخابية، التي وصلت إلى مرحلة غير مسبوقة من التنافس الشديد؟ إنها فرصة لتعريف الناس بطريقة عملية وصادمة بأخطاء المعاينة وأخطاء غير المعاينة المعتبرة!