بات موضوع قياس الأثر والتأثير في القطاع الثالث وغير الربحي من بين الموضوعات الجاذبة وذات الأهمية، وقد انتشر على نطاق واسع، وشهد تطورات عدة، سواء من حيث الأدوات أو المجالات التي يستخدم فيها!
ومن بين المنهجيات المشهورة، في قياس الأثر، منهجية Social Return on Investment (SROI) العائد الاجتماعي على الاستثمار، وهي وسيلة لقياس القيمة المالية المضافة تقوم على مبادئ معينة ومتعلقة بالموارد المستثمرة، مثل القيمة البيئية والاجتماعية، والتي لا تعكسها الحسابات المالية التقليدية، ومن الممكن لأي جهة استخدامها لتقييم التأثير الحاصل على أصحاب المصلحة وتحديد طرق تحسين الأداء وتعزيز أداء الاستثمار، كما يمكن قياس الأثر عبر بوابة استطلاعات الرأي مثلا كواحدة من أهم المدخلات، ولكل وسيلة إيجابياتها وتحدياتها الخاصة.
ورغم هذه الهالة والجاذبية التي يحظى بها قياس الأثر لدى المنظمات غير الربحية والإنسانية، خاصة تلك التي تجد نفسها موضع المساءلة من مانحيها عن الأموال التي قدموها وكيفية إنفاقها، وقد يلحون في طلب الإثبات على تأثير مساهماتهم على قضية أو قضايا معينة، إلا أن قياس الأثر ليس بتلك السهولة، وليس الخيار الأمثل والمتاح دوما.
فبداية لا توجد معايير واضحة لقياس الأثر، حيث إن مفهوم الأثر في حد ذاته لايزال مفهوما مرنا غير واضح عند الكثير، وهو ما يصاحبه مزيد من الصعوبة في تحديد معايير وطرق ومنهجيات قياسه، وحتى الآن لم يتحقق إلا اتفاق ضئيل على مجموعة من المقاييس الصارمة والسريعة في هذا الإطار.
كما يشكل نقص البيانات الثانوية أو الأساسية تحديا كبيرا، إذ لابد لقياس الأثر من تحليل البيانات المتوافرة، ومن جهة أخرى تلعب البيروقراطية المفرطة في المنظمة دورا سلبيا، حيث تبطئ عملية صنع القرار وتسهيلات قياس الأثر في المنظمة التي يجب أن تكون سريعة في الاستجابة لحاجات المجتمع، والاحتياجات الإنسانية.
ويضاف لذلك أن المشروعات ليست على نسق واحد، فمنها ما أثره معنوي، وآخر أثره اجتماعي، ومنها ما يسعى إلى تحقيق الاستدامة المالية، ومن ثم فكل نمط من أنماط المشروعات يحتاج إلى طرق للقياس وأدوات علمية تتماشى مع طبيعة الهدف المراد قياس أثره، خاصة مع تنوع المنهجيات والأدوات. ومن هنا، فإن الافتقار لتحديد الأدوات العلمية الدقيقة الملائمة لقياس أثر المشاريع يعد تحديا بارزا.
وقد يغدو قياس الأثر خارج نطاق القدرة بسبب كبر حجم الأهداف المرجو تحقيقها، والتي قد تصل إلى عدم الواقعية في بعض الأحيان، كما أن كبر نطاق المصطلحات المستخدمة في صياغة قياس الأثر، قد يجعلها عائقا في حد ذاتها، كاستخدام مصطلحات على غرار: إحداث تغيرات مجتمعية، وتغيير إيجابي مجتمعي، ونشر مبادئ، وغيرها.
ويشكل إشراك أصحاب العلاقة المعنيين، والقدرة على اختيارهم تحديا آخر، فقلة وعي هؤلاء بأهمية قياس الأثر قد تدفعهم الى عدم المشاركة فيه. يضاف الى ذلك أن بعض المشروعات قد تحتاج إلى وقت زمني طويل لقياس أثرها، خاصة تلك المتعلقة بالتغيرات القيمية والثقافية، وفي بعضها الآخر قد تنعدم القدرة على تمييز سبب التغيرات الواقعة، وهل كان نتاجا لعامل واحد أو مجموعة من العوامل المتصاحبة.
وفي المحصلة فإن قياس الأثر مهما بدا جذابا ومغريا للبعض، فإنه ليس متاحا للجميع ولا مطلوبا دوما، حتى لا يكون لدينا جهل مركب بالمعلومات، وينبغي أن تكون لدينا الجراءة بالقول بأننا لن نقيس الأثر! وفي حال القياس لابد أن يبقى مرهونا بما تحاول المنظمة تحقيقه وما تملكه من خبرات وموارد، مع التذكير بأن الهدف الرئيس لقياس الأثر هو الحصول على أرقام واقعية لمساعدة صناع القرار على تقييم مزايا الاستمرار في استراتيجيتهم أو تحسينها واتخاذ قرارات بشأنها وليس مجرد القول بأننا نقيس الأثر!
وكان المشرف العام للمركز د. سامر أبو رمان قد ألقى محاضرة عن هذا الموضوع، في أيار/مايو العام الماضي، ضمن ورشة عمل مختصة، تناول فيها المحاور التالية:
- نظرة عامة على قياس الأثر
- قياس الأثر باستخدام استطلاعات الرأي
- تحديات قياس الأثر
- تحديات استخدام أداة استطلاعات الرأي في قياس الأثر
- من حلول تحديات قياس الأثر
لمشاهدة المحاضرة هنا