ما مدى مصداقية استطلاعات الرأي العام؟. د. سامر أبو رمان – مقابلة مع قناة اليرموك

ما مدى مصداقية استطلاعات الرأي وما المعايير المطلوبة لتكون معبرة بدقة عن الرأي العام

 

ما هي المعايير التي تجعل من أي استطلاع معبراً عن الرأي العام بدقة؟

  • استطلاعات الراي هي عملية متعددة المهمات والمهارات، وبالتالي تتعدد المعايير التي يمكن من خلالها أن نحكم على جودة استطلاعات الرأي والى أي مدى تعبر عن الرأي العام، لكن قبل الحديث عن المعايير علينا جميعا أن ننطلق من أن استطلاعات الراي، مهما بلغت من الجودة والدقة، لا بد أن يقع فيها نوعان من الأخطاء: خطأ المعاينة أو العينة sampling error، بمعنى أنني لم يتم أخذ أو سؤال كل المجتمع، إنما أخذت عينة محددة، فهذه العملية فيها خطأ بنسبة 2 أو 3% حسب معايير معينة، النوع الأخر هو أخطاء من قبيل طريقة طرح السؤال، طريقة جمع البيانات، طريقة فهم المستجيب للسؤال، وغيرها من الأخطاء التي يطلق عليها تعبير non-sampling error، هذان الأمران مهمان حتى ندرك أننا حينما حين نتحدث عن استطلاعات الرأي فإنها لا تعبر عن الرأي العام بدرجة من الدقة تصل الى 100% ، هناك معايير أخرى تحكم هذه الجودة، كيف تم اختيار هذه العينة؟ كيف طرحت هذه الأسئلة؟ كيف تم تفسير هذه البيانات وكيف تم تحليلها؟ كيف تم بناء الأسئلة بحيث تعبر عن مختلف الثقافات الموجودة في اللغة وغيرها، ولذلك فإننا دائماً نقول إن قياسات الرأي العام تحتاج الى فريق متنوع؛ حتى يخفف من هذه الأخطاء ويحقق هذه المعايير بأكبر درجة ممكنة حتى يتسنى الحكم على جودة هذه الصناعة وهذه الأداة العلمية المهمة في التعبير عن آراء الشعوب والناس.

ما هي آليات اختيار عينات من يتم استطلاع آرائهم، أو بصورة أخرى، كيف يمكن أن تكون هذه العينة ممثلة لشرائح المجتمع ككل؟

  • هذا سؤال مهم في الحقيقة، واختيار العينة هو من المراحل المهمة جداً في الارتقاء بجودة قياسات الرأي العام، من ناحية مثالية، هناك شرطان أساسيان للقول بان هذه العينة ممثلة بشكل جيد للمجتمع، شرط العشوائية وشرط أن تكون هذه العشوائية بطريقة منتظمة، ولذلك تسمى هذه العينات ذات الجودة العالية والمثالية بالعينات الممثلة عن المجتمع؛ لان فيها احتمالية أن كل من في المجتمع كانت لهم نفس الفرصة أن يتم اختيارهم، وهذا الاختيار لم يكن طوعياً بل إن فريق البحث هو من اختارهم بطريقة عشوائية، ولذلك يعجبني قول المدير التنفيذي السابق لمنظمة “غالوب” العالمية لاستطلاعات الرأي “if it is done right it is miracle” “إذا طبقت العينة بشكل صحيح فهي معجزة” لأنك استطعت أن تأخذ فئة قليلة لتعبر عن المجتمع، لكنك لم تأخذها بطريقة متحيزة أو غير ممثلة، إذا لم تضع المجتمع في سلة واحدة فهناك تحدٍ بأن تكون العينة تعكس حقاً الرأي العام، وعادة ما يضرب مثال، بأنك إذا أردت أن تأخذ رأي مجتمع معين حول الفريق الرياضي المفضل لديه، فإنك لا تذهب في نهاية مباراة عند خروج المشجعين من الإستاد الرياضي، لان المحصلة ستكون انهم يشجعون واحداً من الفريقين هذا أو ذاك! فأنت ذهبت الى المكان الخطأ واخترت عينة خاطئة، وينبغي أن تكون في مكان يتوفر فيه التنوع الموجود في هذا المجتمع حتى يكون معبراً عن الراي العام، وفي حال أن العينة مثلت فئة دون أخرى، مثلاً الذكور اعلى من الإناث، وفي الفئات العمرية الشباب أكثر من ممن هم في عمر أكبر، فوقتها يتم تصحيح العينة من ناحية إحصائية ووزنها كما يقال. وفيما يتعلق بالعدد، هناك عدة معايير تحكمه، مثل النسبة المئوية من الدقة التي تريدها، والتكلفة المالية التي تستطيع تحملها حتى تصل الى عينة ممثلة، طريقة جمع البيانات، ونسبة التحليل، فإذا أردت أن تعرف الفرق بين الأردنيين من الذكور والإناث، فانت بحاجة الى عينة من رقم قليل، لكنك إذا أردت أن تعرف الفرق بين محافظة البلقاء ومحافظة العاصمة أو محافظة معان مثلاً فإنك هنا تحتاج الى عينة أكبر؛ لان المستوى التحليلي للفئة قد اتسع بشكل أكبر.

أحياناً نتابع بعض استطلاعات الرأي، محلية إقليمية دولية، والتي تخرج علينا بنتائج قد تكون متعلقة بقضايا قد تعتبر من الممنوعات أو لا يستطيع أحد أن يعلق عليها، كيف يمكن أن نضمن أن هذا الإنسان الذي تم سؤاله في الشارع قد أجاب عن السؤال بدقة أو بدون أي تخوفات لديه؟ المسألة متعلقة بطبيعة المستطلعة آرائهم، كيف يمكن أن أسأل “س” من الناس في قضية تعتبر من المحرمات أو الممنوعات في المجتمع؟ كيف يمكن للدراسات العلمية أن تتأكد من أن هذا الرأي الذي أخذ من هذا الشخص يمكن أن يعبر أصلاً بدقة عن موقفه؟

  • حقيقة هذا سؤال جميل، وهو من الأسئلة التي دائماً ما يتم طرحها، خاصة في بعض البيئات التي لها بعض الحدود، سواءً سياسية أو دينية أو اجتماعية، كيف يتم طرح أسئلة ذات حساسية وكيف يضمن أن تكون الإجابة صحيحة؟ الحقيقة أن هناك عدة توصيات يمكن تقديمها بشكل عام، أولا لجهة البحث، بألا تتجرأ على طرح أسئلة من المستبعد على المستجيب أن يجيب عنها بطريقة دقيقة، وهذا مشاهد أحياناً في خيارات الإجابة، فليس من المتوقع من المستجيب أن يجيب عن مستوى الثقة في المؤسسات الأمنية التي تخيفه مثل إجابته عن جهات أخرى لا توجد حساسية في الحديث عنها، كمؤسسة اقتصادية أو إعلامية أو غيرها، إذن حتى في الخيارات سيكون هناك تباين في استجابة المستجيب ودقته وصراحته فيما بين الخيارات المختلفة، ولذلك يقال اعرف في أي بلد أنت واطرح الأسئلة المناسبة؛ حتى لا تكون هناك إجابات مضللة، حتى لو كان الإجابة من باب المجاملة، كما هو الحال في مثال مستوى الثقة بالأجهزة الأمنية والوزارات السيادية أو السلطات السياسية في البلد، وهناك أمر أخر، وهو بعض التقنيات التي تستخدمها مؤسسات استطلاعات الرأي، لتقوم بما يمكن تسميته بالتسلل الى عقلية المستجيب، فإذا أردنا مثلاً أن نعرف الى أي مدى هو يخاف من حدث معين في المستقبل، فربما يشعر بالحرج أن يصرح بأنه خائف، ويمكن أن يستعاض عن ذلك بالسؤال: هل تتوقع حدوث هذا الأمر مستقبلاً؟، فربما يكون التوقع دالاً على الخوف أو غيره، كذلك، يمكن السؤال عن الرموز السياسية بطريقة معينة مثل تحديد درجة على مقياس الحرارة أو الاختيار بين التفضيل وعدمه وغيرها من الأمور، والمحصلة أنني كي استطيع أن اقدم نتائج تعبر عن الراي العام بشكل صحيح ينبغي أن اختار أسئلة لا تثير الخوف عند المستجيب وقت طرحها ولا تثير السخرية وقت خروج النتائج ، وعلى الجهات الاستطلاعية أن تعرف قدر نفسها إيجاباً وسلباً في طريقة التعامل مع هذه الأسئلة.