على رسلكم، ليس كلهم يريدون قتلنا!
د. سامر ابو رمان
مع حالة الصدمة والحزن التي يعيشها العالم، ولا سيما المسلمون من الحادثين الإرهابيين اللائي راح ضحيتهما 49 مُصلي في مسجدين بنيوزلندا أثناء صلاة الجمعة يوم 15 مارس 2019، ظهرت ردود الأفعال المتنوعة من مختلف المستويات الشعبية والإعلامية والرسمية، والتي اتسم مُعظمها بمهاجمة العنصرية وخطاب الكراهية المتنامي في الغرب والتخويف من المسلمين، ولكن أظهرت ردود فعل أخرى الفارق بين تناول الحوادث الإرهابية التي يتسبب فيها المواطنون الغرب، أو تلك التي يتسبب فيها المواطنون العرب والمسلمين، حيث أطلقت العديد من وسائل الإعلام الغربية على القائم بالحادث الإرهابي بأنه “مُسلح” Gun Man، وليس “إرهابي”، رغم أنه قد تم القتل بطريقة مخطط لها و بتصوير مرئي وكأنها بعالم الألعاب والأفلام.
ولكن وعلى الرغم من هذه الازدواجية في التعامل مع هذه الحادثة، إلا أنه لا يسعنا في هذه الظروف الصعبة – ما بعد الحادثة – إلا ضرورة الحذر من مقابلة التطرف والكراهية بتطرف في الكلمات والمشاعر فنجمع كل الشعوب الغربية بسلة واحدة وكأنهم يوافقون على ما اقترفه الإرهابي المتطرف مرتكب الجريمة، فهناك اختلاف بين الشعوب في نظرتها للإسلام، ولكن حتى المُعارضين منهم للإسلام، أو من لا يفضلونه على الإطلاق ولا ممارساته، لا يؤيدون القتل ولا يُباركون ما جرى من حوادث إرهابية عنصرية ضد المسلمين.
في كتاب” كيف ينظرون إلينا؟ الإسلام والمسلمون في استطلاعات الرأي العالمية” الصادر عن مركز البيان للبحوث في عام 1436 ه/ 2015 م، عرضت لبعض نتائج استطلاعات رأي الشعوب ومنها الغربية عن مدى تفضيلهم الإسلام والمسلمين والتي تبين الاختلاف في نظرتهم بشكل عام ومن قضية لأخرى، فعلى سبيل المثال، جاء الصهاينة الإسرائيليون كأغلب جنسية التي لا تفضل المسلمين مقابل تفضيل أغلبية البريطانيين كما في الشكل
وإذا تطرقنا إلى مسائل جزئية تتعلق بالإسلام والمسلمين داخل بعض الاستطلاعات، سنجد هذا التبيان، فمثلا وافق (57 %) من الكنديين – حتى من أولئك الذين لديهم انطباع سلبي عن الإسلام – على أن المهاجرين المسلمين قدَّموا مساهمات إيجابية لكندا، وفقط (8 %) يعارضون بشدة وجود تلك المساهمات، وهكذا في بعض الأسئلة المُتعلقة بمدى قبولهم للمسلمين والمُتمثِّلة في: زيهم الإسلامي أو بناء المساجد أو غيرها من الأمور، وبالطبع هناك جوانب لا تقبلها الأغلبية مثل إظهار الشعائر الإسلامية علانية كبناء تماثيل و رموز إسلامية، كما اختلفوا على مسألة تغطية الوجه.
وأما ما يتعلق بقبول المهاجرين، فكذلك اختلفت النتائج ولكن مما يهمنا ا
ليوم مع حادثة المسجدين الإرهابية أن الشعب النيوزلندي أخذ المرتبة الثانية في قبول المهاجرين من بين 138 دولة حسب استطلاع رأي غالوب العالمي Gallup World Poll عام 2016، وهو ما يوضِّح أن الحادثة شاذة عن المسار المجتمعي في قبول الأخر المهاجر
وهكذا تختلف الشعوب بنظرتها للمسلمين والمهاجرين لأسباب عديدة قد يكون بعضها ليس بدوافع عنصرية وكراهية بقدر دوافع اقتصادية وسياسية، والكثيرين ممن يُخالطون غير المسلمين في التعليم والتجارة والسياحة وغيرها يتفقون أن القِلة القليلة هي تلك المُتطرفة الدموية، وهو ما يُعد إشارة إلى ضرورة ضبط انفعالاتنا، ولا نكرر خطأ غيرنا من الغرب حينما حاربوا المسلمين ككل بأن نحارب الغرب ككل أيضاً، وتحميل فئة الغرب ككل ذنب فئة صغيرة من المُتطرفين و التغافل عن جهات أخرى مسؤولة من وسائل اعلام وسياسيين محرضين حتى لو كانوا من أبناء جلدتنا.