استطلاعات الرأي حول استخدامات الذكاء الصناعي في القطاع الخيري
د. سامر أبو رمان
يعتبر الذكاء الاصطناعي من أبرز الابتكارات التقنية التي احدثت تحولاً جذرياً في مختلف مجالات الحياة، حيث أسهم في تحسين الكفاءة ودقة الأداء عبر تحليل كميات هائلة من البيانات بسرعة غير مسبوقة، لكن هناك خلطاً بين الذكاء الاصطناعي وغيره من الأمور التكنولوجية التقليدية، وهو ملاحظ في بعض الكتابات بمحاولة الصعود على التخصص في مجال الذكاء الاصطناعي، هذا الحقل المذهل الذي مكن الآلة من القيام بمهام كان من المتصور في السابق أنها حكر على الإنسان، أو انها تحتاج الى مجموعة من الأفراد حتى يتمكنوا من القيام بها خلال فترة معينة، وبما اننا نتحدث بهذا المفهوم فينبغي ان نتجاوز الحديث عن الذكاء الاصطناعي بالمفهوم السكرتاري والإداري والتحريري الى مفاهيم وتطبيقات أكثر تعقيداً حتى في مجال العمل الخيري، واقتبس في ذلك مما سمعته من ممثل شركة جوجل ضمن اجتماعات الإيكوسوك في الأمم المتحدة حول تجاربهم وشراكاتهم مع المنظمات الإنسانية والإغاثية والأمم المتحدة في الجوانب الأساسية لعمل هذه المنظمات.
ففي سياق كشف أضرار الكوارث، استحدثت جوجل تكنولوجيا Sky، التي تتيح على الفور تحديد أي المباني قد تضررت في منطقة معينة، وعند تغذيتها ببيانات أخرى من أنظمة الحماية الاجتماعية الحكومية أو بيانات التعداد السكاني التي ترصد الضعف الاجتماعي والاقتصادي، فهي تقدم خريطة دقيقة جداً لتحديد المناطق الفقيرة التي تضررت بشدة من هذه الكارثة المحددة.
وفي سياق تحسين القدرة على التنبؤ بالطقس، ابتكرت جوجل نموذج GraphCast (1) الذي حسن بسرعة القدرة على التنبؤ بالكوارث الجوية الشديدة، وعملت مع برنامج الأغذية العالمي (2) لتحسين القدرة على التنبؤ بالطقس في دول شرق أفريقيا.
وفي سياق التنبؤ الكوارث، عملت جوجل مع مركز البيانات الإنسانية التابع لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة وتبادل البيانات الإنسانية على مدى سنوات لتحسين القدرة على تحليل البيانات في بيئات وأوقات بعينها، ولبضع سنوات طبقت جوجل الذكاء الاصطناعي لتعزيز حالة التنبؤ بالفيضانات، وهي توفر توقعات للفيضانات مكنت عدة منظمات إنسانية، من تقديم العون النقدي المسبق للمحتاجين.
ويذكر تقرير “الذكاء الاصطناعي من أجل الخير العام: تحسين جودة الحياة وحماية كوكب الأرض”(3) لمعهد ماكنزي 2024، والذي تضمن استطلاعاً للخبراء، أن الذكاء الاصطناعي يمتلك إمكانات هائلة لإحداث تأثير ثوري وملموس في خمسة أهداف محددة، وهي الصحة الجيدة والرفاهية (الهدف 3)، والتعليم الجيد (الهدف 4)، والعمل المناخي (الهدف 13)، والطاقة النظيفة وبأسعار معقولة (الهدف 7)، والمدن والمجتمعات المحلية المستدامة (الهدف 11)، وان 60% من تطبيقات الذكاء الاصطناعي في المنظمات غير الربحية الموجهة لتحقيق الخير العام كانت متركزة في هذه المجالات، كما أن نحو 40% من الاستثمارات في 20,000 شركة متخصصة في الذكاء الاصطناعي تُساهم بشكل مباشر أو غير مباشر في تحقيق واحد أو أكثر من أهداف التنمية المستدامة!
وتجدر الإشارة هنا الى تقرير المهارات الرقمية للجمعيات الخيرية (4) Charity Digital Skills 2024، والذي عرض لنتائج استطلاع شاركت فيه 635 جمعية خيرية في المملكة المتحدة، للإعلام عن تجربتها في العالم الرقمي، وأظهرت النتائج أن 61% من المؤسسات الخيرية تستخدم الذكاء الاصطناعي حالياً في عملها، من بينها 45% تستخدم أدوات الذكاء الاصطناعي على سبيل التجربة، 11% تستخدم أدوات الذكاء الاصطناعي في جميع أنحاء المؤسسة وتعمل 5% أخرى على تحقيق ذلك. وتقول نصف المؤسسات الخيرية الكبيرة (53%) إن أدوات الذكاء الاصطناعي تشكل أولوية، في حين أن ربع المؤسسات الخيرية الصغيرة فقط تفعل ذلك (26%). وفي حين أن نصف المؤسسات الخيرية الصغيرة (53%) تستخدم أدوات الذكاء الاصطناعي، فإن ثلاثة أرباع المؤسسات الخيرية الكبيرة تفعل ذلك (78%).
وعلى صعيد استخدامات الذكاء الاصطناعي، كانت هناك الاستخدامات التقليدية الشائعة مثل تطوير المحتوى عبر الإنترنت 33%، المهام الإدارية كتلخيص الاجتماعات 32%، صياغة المستندات والتقارير 28%، الإبداع وتوليد الأفكار 27%، البحث وجمع المعلومات 24%. وبنسب أقل 19% في جمع التبرعات لمهام مثل كتابة العطاءات والبحث عن ممولين، 15% في تقديم الخدمات، 8% لتحليل البيانات من بينهم 4% ممن يستخدمون التحليلات التنبؤية لاستهداف المتبرعين.
وخلال تجربتي الشهر الفائت في تحكيم بحوث مؤتمر العمل الخيري والذكاء الاصطناعي في جامعة الكويت والذي وصل عدد البحوث المقدمة فيه الى أكثر من مائة بحث وتم قبول ونشر 21 فقط، وقد حكمت أربعة منها، وقبلت بحثين مع التعديلات، ولو أردت التشدد لرفضتها هي الأخرى، لأنها تتكلم عن الذكاء الاصطناعي بطريقة أصبحت مألوفة في سياق التحرير والتدقيق أو طريقة تقليدية، وتخلط بينه وبين تطبيقات تكنولوجية أخرى!
وكان تقرير (5) لمجلة Inside Philanthropy ، في يوليو/تموز 2023، قد تناول الدور الخاص الذي يلعبه العمل الخيري في تطور الذكاء الاصطناعي، والذي يقوده بعض كبار المحسنين، ممن كونوا ثرواتهم من مجال التكنولوجيا، ووفقاً للتقرير، تعهد إريك ووندي شميت بأكثر من 400 مليون دولار للذكاء الاصطناعي، وزاد الراحل بول ألين الدعم بأكثر من 125 مليون دولار لمعهد ألين للذكاء الاصطناعي، وتبرع فريد لودي بأكثر من 60 مليون دولار لإنشاء مبادرة بحثية للذكاء الاصطناعي، كما تعهد مانحون آخرون، بالإضافة إلى مؤسسات مثل فورد وروكفلر وماك آرثر، بما يقرب من مليار دولار في العقد الماضي لدراسة الذكاء الاصطناعي وتطويره ووضع ضمانات له.
وقد دفعتني هذه الإمكانيات التي يوفرها الذكاء الاصطناعي للمنظمات الإنسانية الى اقتراح اضافة توصيات عملية غير تقليدية أكثر تفصيلًا ومباشرة للمنظمات الخيرية التي ترغب في تطبيق الذكاء الاصطناعي، ومن ذلك ألا تقف الجهات الخيرية عند مجرد استخدام الذكاء وبرامجه وخدماته، بل أن تدخل في التأثير وصناعة التجارب بالتنسيق مع الشركات الكبرى الصانعة لبرامج الذكاء الاصطناعي، بالإضافة الى تضمين خطوات تنفيذية أو مقترحات لأدوات وبرمجيات محددة تعتمد على الذكاء الاصطناعي ويمكنها مساعدة هذه المنظمات في عملها!
هذه بعض الأفكار التي سأتشرف بمناقشتها والاستفادة من المشاركين في الملتقى الأول للتحول الرقمي والذكاء الاصطناعي في العمل الخيري يوم الأحد 22 ديسمبر 2024 بتنظيم جمعية الرحمة العالمية تحت رعاية وزارة الشئون الاجتماعية، وبمشاركة 230 من الباحثين والعاملين في القطاع الخيري من بينهم أكثر من 41 مديرًا ومسؤولًا في مختلف الوزارات والجمعيات.
المراجع:
(1) GraphCast: نموذج الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بالطقس العالمي بشكل أسرع وأكثر دقة
(3) الذكاء الاصطناعي من أجل الخير العام: تحسين جودة الحياة وحماية كوكب الأرض، تقرير Mckinsey 2024.